الى السيد عزيز أخنوش

رئيس الحكومة

الرباط 

الموضوع: مذكرة بأولويات محاربة الفساد في المغرب

السيد رئيس الحكومة، تحية طيبة وبعد،

لقد ساهمت اليقظة التاريخية للشباب المغربي، من خلال حركة 20 فبراير، اللذين خرجوا للشوارع منتفضين ضد الفساد والريع  في  إقرار  دستور 2011  والذي منح لمنظمات المجتمع المدني الحق في تتبع السياسات العامة وتقييمها،  وهو الاطار الذي  نستمد منه حقنا الدستوري كجمعية  لنعبر لكم، بصفتكم رئيسًا للحكومة،  من خلال هذه الرسالة عن انشغالاتنا وانتظاراتنا تجاه حكومتكم من حيث إقرارسياسة فعالة في مجال الشفافية والحكامة الجيدة ومكافحة الفساد.

 إننا نتوقع من حكومتكم توضيح مواقفها وسياستها في مجال مكافحة الفساد، وتحديد الأولويات وماهي الإجراءات المزمع اتخاذها من طرف حكومتكم لتفعيل وتنفيذ الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد. كما نود ان تعمد الحكومة الى التوضيح عن سياستها في مجال تضارب المصالح والإثراء غير المشروع، وماهي الإجراءات التي ستتخذها لتعزيز موارد الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها من أجل ضمان استقلاليتها وفعاليتها، وجعل قانون الحق في الحصول على المعلومات فعالاً حقًا بما يتفق مع مقتضيات وروح الدستور والمعايير الدولية في هذا المجال؟  وماهي التدابير التي ستتخذها حكومتكم لتوفير حماية فعلية للمبلغين عن جرائم الفساد بالنظر إلى فراغ القانون 37-10 الذي تم إقراره سنة2011، وما هي مقترحاتكم لجعل القانون الحالي للتصريح بالممتلكات فعالاً.

الكثير من الأسئلة التي نطرحها ومعنا الرأي العام الوطني والتي ستمكن الإجابة عليها لقياس الإرادة السياسية لحكومتكم في العمل على إعطاء مصداقية للتصريح الحكومي في مجال مكافحة الفساد كأولوية وطنية.

 بعد أيام قليلة من تنصيب حكومتكم، كان أول عمل لكم هو سحب الحكومة لمشروع القانون المتعلق بتتميم وتغيير مجموعة القانون الجنائي من مجلس النواب والمتضمن لمقتضيات تجريم الإثراء غير المشروع   وتؤكد ردود الفعل المختلفة إثر هذا الإجراء رغبة حكومتكم في استبعاد هذه الجريمة من التعديلات المستقبلية على القانون أو إفراغها من مضمونها.  وأعقب هذا الانسحاب سحب مشروع قانون تنظيم احتلال الملك العمومي.  وقد تأكد هذا الموقف الاستفزازي من خلال التصريحات التي أدلى بها وزير العدل في حكومتكم  بإقرار مشروع قانون يمنع منظمات المجتمع المدني  من تقديم شكاوى ضد منتخبين من أجل شبهة هذر واختلاس المال العام في تجاهل لنص  الدستور والقوانين المنظمة للنظام القضائي والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب في هذا الصدد.

 السيد رئيس الحكومة،

 تعلمون جيدا، على أن الفساد المستشري ببلادنا ذو طبيعة مزمنة ونسقية وهو ما تأكده المراتب المتدنية التي يحتلها المغرب في مؤشرات مدركات الفساد حيت حصل على نقطة 39/100 والمركز 87 في نسخة 2022 ، مسجلاً انخفاضًا قدره 4 نقط في درجته و 14 مركزًا مقارنة بعام 2018 من بين 180 دولة.

 ان الفساد المستشري ببلادنا في مختلف القطاعات تمس العيش اليومي للمواطنين في   الإدارات مثل المستشفيات والمحاكم والمرافق الإدارية ، والتي يعاني منها ايضا رؤساء المقاولات في مجال الاستثمار أو في مجال الصفقات العامة.

 إن أفق مجتمع يتمتع فعلا بقيم المواطنة والجدارة لهو بعيد المنال في مواجهة استمرار إدارة تستند على الزبونية واستشراء الفساد، ويتناقض فعلا مع الجوانب الاجتماعية التي يدعو إليها برنامجكم.

 إن تشييد منظومة وطنية للنزاهة هو   إطار مرجعي لنا في جمعية ترانسبارانسي المغرب، و الذي يتوخى تعزيز الفصل بين السلطات، وتعزيز دور المؤسسات المستقلة، وتعزيز دور المجتمع المدني، ومحاربة الإفلات من العقاب، وتفعيل مبدأ المساءلة … فهل يمكن اعتبار تشييد هذه المنظومة بمثابة وهم؟

 سيكون الجواب بالإيجاب، إذا أخذنا في الاعتبار انسحاب الدولة من محاربة الفساد، وتقييد الحريات الأساسية، بما في ذلك الصحافة الاستقصائية على وجه الخصوص، وتدهور احترام حقوق الإنسان.  وتذكرنا محاكمات الصحفيين والمدونين بهذا الأمر بشكل جلي.

 يتمثل تحيزنا في اعتبار بناء منظومة وطنية  للنزاهة أمرًا ضروريًا.  وهو أيضا بمثابة منحى التاريخ، إذ أن البيئة الدولية آخذة في التغي، و تأثير الفساد على تنمية بلدنا سينعكس بشكل متزايد.

السيد رئيس الحكومة،

لقد كانت نتائج تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بعد ست سنوات من اعتمادها في دجنبر 2015 أكثر من محبطة. وفيما يلي بعض الميزات البارزة:

  • تم تشكيل اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد برئاسة رئيس الحكومة في نوفمبر 2017. ومنذ ذلك الحين اجتمعت مرتين فقط، في حين ينص مرسوم إنشائها على عقد اجتماعين على الأقل في السنة؛
  • عدم التزام شبه كلي لمختلف الوزارات في تنفيذ  محاور الاستراتيجية ودحرها إلى مستويات إدارية أدنى ؛
  • عدم توفير ميزانيات خاصة؛
  • هيمنة الأسلوب الإداري الذي يتجلى في أغلب الأحيان من إصدار الدوريات.

وتعكس هذه الوضعية الافتقار إلى الإرادة السياسية الفعالة للتنفيذ الملموس للبرامج والإجراءات القادرة على التعامل مع هذه الآفة. وقد تفاقم هذا الوضع بسبب التدابير الاستثنائية التي تم اتخاذها على مدى العامين الماضيين فيما يتعلق بإدارة وباء كوفيد 19 كما يتضح من المؤشرات والتصنيفات المختلفة لبلدنا، ولا سيما تةاجع مؤشر الديمقراطية، ومؤشر حرية الصحافة ، ومؤشر دولة القانون …

إلا أنه وعلى الرغم من تراكم هذه المؤشرات الدالة، وبعد سبعة أشهر من ولاية حكومتكم، فقد سجلنا مضامين وحتوى التصريح الحكومي الذي تقدمتم به،  وسنعمل  على تتبع مراحل تنفيذه المحتمل خاصة في مجال مكافحة الفساد واقتصاد الريع .

وفي هذا الاطار  ، تود ترانسبارنسي المغرب أن تلفت انتباهكم إلى مجموعة من الأولويات التي يمكن للحكومة أن تتولى زمام القيادة فيها بالتوافق مع القضاء للإشراف على الامتثال للقانون وتعزيز استقلاليته.

من بين هذه الأولويات التي تكتسي طابع الاستعجال، نود التشديد على ما يلي:

  1. تحضير وإصدار القانون بشأن تنازع المصالح واستغلال التسريبات المخلة بالمنافسة الشريفة والحكامة تنفيذا للفصل 36 من دستور 2011.
  2. إعادة الاعتبار لمجلس المنافسة بالحد من التدخل في صلاحياته الدستورية وإثارة العوائق أمام ممارسة صلاحياته بدءا بتطبيق العقوبات المستحقة بخصوص ملف المحروقات بعد ما تأكدت الخروقات المرتكبة من طرف أعضائه بعد إجماع البرلمان وباقي هيئات الإشراف على نفس النتائج وثقلها المالي.
  3. العمل على إرساء أجهزة الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها بتعيين أعضاء مجلسها وبتعاون مع الهيئات الدستورية المختصة لمدها بالأعضاء والأطر البشرية ذات الكفاءة والنزاهة وبالموارد المالية الضرورية لممارسة مهامها بكل فعالية واستقلالية.
  4. تجريم الاثراء غير المشروع وفق المعايير والممارسات الجيدة المتعارف عليها دوليا علما أن النص المسحوب من البرلمان قد تم التداول فيه لأزيد من ست سنوات.
  5. مراجعة قانون التصريح بالممتلكات والسماح بالوصول إلى المعلومات المتعلقة به ليس من قبل هيئات التتبع والمراقبة فحسب، بل من قبل كل من له مصلحة في ذلك. وقد سبق للجمعية أن طالبت بضرورة  شموله لجميع المسؤولين الرئيسيين عن تدبير الشأن العام، قدوة بالممارسات الدولية الفضلى، واقترحت بملائمة مقتضياته مع الأحكام التي تنظم تضارب المصالح والإثراء غير المشروع.
  6. مراجعة قانون 2011 المتعلق بحماية ضحايا وفاضحي الفساد، خاصة حماية المسار المهني للموظفين العموميين ومستخدمي القطاع الخاص، لتشجيعهم على فضح التصرفات المشبوهة التي يطلعون عليها دون خوف على وضعيتهم ومستقبلهم.
  7. مراجعة القانون رقم 13-31 المتعلق بالحق في الوصول للمعلومات برفع الاستثناءات العديدة غير المبررة، وخاصة إلغاء الردع من خلال الملاحقة الجنائية لمستعملي المعلومة قي حالة ما لم ترق الإدارة المعنية، وغياب ردع الموظفين الممتنعين أو المتقاعسين عن تقديم المعلومة، وفعالية لجنة الوصول إلى المعلومات بما في ذلك بفك ارتباطها بلجنة حماية المعطيات الشخصية.
  8. العمل على ضمان التزام كل الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية بتطبيق مقتضيات قانون الحق في الوصول إلى المعلومات ولا سيما متطلبات النشر الاستباقي من جهة والاستجابة لطلبات المعلومات في أحسن الآجال وبالجودة المطلوبة.
  9. استكمال التأهيل وتطوير المعايير المتعلقة بمبادرتي الميزانية المفتوحة والحكومة المفتوحة لإضفاء مزيد من الشفافية والارتقاء بالمشاركة المواطنة، خاصة في اعداد الميزانيات العمومية وتتبعها في مرحلة التنفيذ والتقييم.
  10. مراجعة القانون الأساسي للوظيفة العمومية، بما في ذلك الفصل 18 من أجل تمكين الموظفين العموميين من فضح التصرفات التي تدخل في طائفة جرائم الفساد والتي يطلعون عليها وذلك دون خوف على مسارهم المهني.
  11. إصلاح النظام الضريبي بهدف إقرار عدالة وشفافية أكبر ووضع حد للسلطة التقديرية المخولة للإدارة العمومية للتخلص من هيمنة الريع ومراجعة نظام التحفيزات والإعفاءات الممنوحة ودمج القطاع غير المهيكل بما يدعم الشفافية والمردودية والتنافسية.
  12. تسريع اعتماد الرقمنة في تدبير الشأن العام بإدراجها بوثيرة عاجلة وثابتة في قطاعات التعليم والإدارة والصفقات العمومية خدمة لنجاعة المرفق العمومي وتقريب الإدارة من المرتفقين.
  13. اعتماد المقاربة التشاركية بصفة فعلية قبل اتخاد القرار وإدخاله حيز التنفيذ وعند تقييم السياسات العمومية وتأمين الإصغاء إلى المجتمع المدني والتواصل معه من خلال جمعياته وتنظيماته ذات القوة الاقتراحية والمصداقية في الميدان وتطوير الشراكة القائمة على التعاقد والمساءلة.
  14. إصلاح الهياكل المركزية والجهوية المكلفة بالتفتيش والافتحاص في مختلف الإدارات العمومية بتدقيق اختصاصاتها في إطار قانون موحد وتقوية إمكانياتها من أجل فعاليتها.

6 يونيو 2022

المكتب التنفيذي



أخبار

مذكرة

شركاؤنا