أجرى الكاتب العام ل “ترانسبرانسي” المغرب، السيد أحمد البرنوصي، حوارا صحفياً مع جريدة الصباح المغربية، نشر بتاريخ اليوم: 23 أكتوبر 2019، و في ما يلى بعض النقاط التي تطرق إليها السيد الكاتب العام في هذا الحوار:
نعتقد في “ترانسبرانسي” المغرب، أنه قبل الحديث عن النموذج التنموي، وجب الحديث عن النظام السياسي، لأنه هو الذي يوجه و يعكس النظام الإقتصادي. و من أجل نجاح أي نموذح تنموي، يجب أن يخضع لمجموعة من المعايير، أبرزها توفر شروط دولة الحق و القانون، يكون فيها المواطنون سواسية أمام القانون، و ربط المسؤولية بالمحاسبة، فإذا تقلد مسؤول أو منتخب مسؤولية ما، يجب بعد مرور فترة تقييم عمله و محاسبته.
الفساد له أوجه كثيرة، يتجلى أولا، في المجال السياسي، عبر انتخابات مزورة و هيآت صورية، و هناك فساد تبادل المصالح ( عطيني نعطيك)، على مستوى المناصب، و توظيف أشخاص محددين على رأس مؤسسات و هيآت، و تفويت صفقات عمومية لأقارب و غيرها. ما يهمنا أن الفساد المالي يستنزف حوالي 5 بالمئة من الناتج الداخلي الخام، أي ما يقدر ب 50 مليار درهم، و هو ليس رقما سهلا، لأنه يؤثر بوضوح على ضعف الخدمات الإجتماعية. و ليس الأخطر فقط تلك الأموال التي ينهبها الفاسدون، لكن الكوارث التي تترتب عنها، فمثلا إذا سجل فساد في صفقة لبناء سد، و أدى ذلك إلى تدفق الحقينة، ستكون له آثار مدمرة على السكان و محاصليهم و مواشيهم، و ميزانية الدولة. كما أن الرشوة تؤثر على جلب الإستثمار، و تطرد المستثمرين، و بذلك تساهم في البطالة.
☑نعتقد أن الإختلالات محتلفة و متنوعة، منها ما يتعلق بأمور تدبيرية بسيطة، و أخرى مرتبطة بتهريب الأموال أو رشوة، و كل حالة تقابلها عقوبة معينة، فتلك البسيطة يكفي فيها مجلس تأديبي، لكن كل ما له علاقة بتبديد الأموال العمومية أو الرشوة، لابد من أن يقدم المسؤول عنه أمام النيابة العامة، و أن ترسل نتائج البحث مباشرة إلى المحكمة دون تأخر أو تماطل.
نتساءل أيضا في الجمعية عن دور العدالة في محاربة الفساد، و ننطلق هنا من مثال تفويت أرض “كازينو السعدي بمراكش” الذي تتبعناه باعتبرانا طرفا مدنياً، و قد حكم ابتدائيا على المتهم الرئيسي في القضية بخمس سنوات سجنا في 2015، و استؤنقت القضية و إلى اليوم فكل شهرين أو ثلاثة أشهر تؤجل المحاكمة، و أجلت آخر جلسة كانت مقررة في أكتوبر الجاري، بسبب تعيين القاضي المكلف بالملف في محكمة أخرى، و القاضي الثاني حصل على منصب آخر. بمعنى أن الملف سيعاد إلى الصفر من جديد. و هذا ما يحيلنا على مجموعة من الملفات التي اقترب المغاربة من نسيانها، من قبيل ملف القرض العقاري و السياحي، و شركة السي جي اي، و صندوق الضمان الإجتماعي، الذي ابتلع مجموعة من الملايير، إذن العدالة مدعوة للتحلى بالسرعة لتعطي مؤشرا إيجابيا لمحاربة الرشوة.
حينما نمنح مأذونية نقل أو استغلال المقالع أو الصيد في أعالي البحار أو تفويت ملك عمومي بثمن رمزي، فإننا نخالف الدستور، و نخلق تمييزا بين المواطنين، إذ تمنح الملايين لشخص ما بجرة قلم بينما المواطن البسيط يتقاضى أجرا هزيلا. و كذلك بالنسبة للضرائب، هناك فئة كبيرة معفاة من الأداء ، أبرز المنتمين إليها كبار الفلاحين، الذين أعفوا من الضرائب منذ الثمانينات، إذ هناك أشخاص يتجاوز رقم معاملتهم مئات ملايين الدراهم و لا يؤدون الضرائب، بينما الأجير الذي يتقاضى 3 ألاف درهم شهريا مجبر على الأدائ، و هذا تمييز غير دستوري.
يقودنا هذا النقاش إلى مسألة العدالة المجالية، و في إطار اقتصاد الإقصاء و التوزيع غير العادل للثروة، يضطر المواطنون إلى الإحتجاج، و بينت السنوات الأخيرة أن هذا الوضع هو غير صحي، و أبرز نتائجه، هو عشرات الشباب المعتقلين على خلفية حراك الريف، و بينهم من حكم بعقوبات ثقيلة، و نعتبرهم في الجمعية سجناء سياسيين و معتقلي رأي، كما نعتبرهم فاضحي فساد، لأنهم بينوا للحكومة و الرأي العام أن هناك فساداً، و الشاهد على ذلك هو أن الملك أقال مجموعة من الوزراء و المسؤولين، و كان من المفروض على القضاء مراعاة هذه الشهادة المتمثلة في الإعفاء الملكي. و ليس هناك فقط حراك الريف، بل هناك حراك جرادة و زاكورة و غيرهما، و إذا لم تكن هناك محاربة للفساد و عدالة في توزيع الثروة جهويا و بين الأشخاص، فإن المغرب سيشهد احتجاجات جديدة، إذ أظهر تقرير الأمم المتحدة الأخير، أن هناك توسعا للهوة بين الدخل الأعلى و أجور معظم المواطنين، سواء في الفئات المتوسطة أو الفقيرة.
من المعلوم حسب دراسات كثيرة، أنه ما بين 200 إلى 300 عائلة مغربية تحتكر النسبة الكبيرة من الثروة، و الأغلبية الساحقة من الأسر المغربية عرفت تضررا في ما يتعلق بقدرتها الشرائية، فيما ثروة الفئات الغنية في تصاعد، وهذا الأمر ليس حكرا فقط على المغرب، و لذلك وجبت العودة إلى المحاسبة، و أن تشتغل هيآت الرقابة بشكل جيد.